تفلسف الإنسان عند أول لحظة تعرف فيها على الموت فبدأ ينظر إلى الكون بعين صوفية
تتجلى فيها روح الألوهية والإيمان بالغيب والنظرة إلى السماء بخوف وطمع بالمغفرة
وهذا بضبط ما جعل كل أمة تؤمن بالله واليوم الآخر ولم تستطع كل الحضارات على مر
العصور أن تعيش خارج الرؤية الكونية المنتهية بالحساب والعقاب .. فالموت يعتبر أول
الخطوات في معرفة الإنسان لربه .. وهو بالفعل ما جعل للإنسان في الوجود معنى وغاية وهدف
يركض إليه فيعيش في الدنيا ويريد أن ينجز لأن يومه ووقته محسوب ودليل على قرب الأجل
ولهذا نرى في سيرة ستيف جوبز الذاتية يقول " نحن جميعاً لا نمتلك وقتاً طويلاً على هذه
الأرض وغالباً ما تتوفر لنا الفرص للقيام بعدد قليل من الأمور العظيمة وأن نقوم بها على
أكمل وجه . لا يمتلك أحد فكرة عن الفترة التي سنقضيها في هذه الحياة وكذلك لا أعرف أنا
ولكني أشعر بأنه يجب أن أنجز أكبر قدر من هذه الأمور العظيمة خلال فترة شبابي " ولهذا
قام الرجل الثوري التقني بتسخير جهدة في الصناعة والاختراع وكان الدافع لكل هذا هو
الموت .. فالموت هو دليل وعي الإنسان وجوهر حياته وحدودها في الكون الواسع ولذلك
يستطيع الإنسان أن يضحي بنفسه من أجل غاية أسمى .. وينشد العلو .. والبشر لو لم يقدر


لهم الموت الفجأة أو المرض وقدر عليهم ألا يموتوا لنظروا لمصالحهم فقط ولما ضحى أحد من أجل
شيء يفوقه لأن الإنسان بطبعة أناني ولن نعرف الفلسفة ولن نعرف الفن ولن نستطيع تقاسم
موارد الطبيعة ولن تكفي الأرض كلها لنا ولن نستطيع التغلب على الظالمين فبموتهم راحة
لنا .. أختم بقول الدكتور مصطفى محمود في كتابة لغز الموت " الموت يبدو مكملاً للحياة
يبدو كالبستاني الذي يقتلع النباتات الفاسدة ويسوي الأرض ويحرثها ليفسح المجال للبذور
الصغيرة الرقيقة لتطرح ثمرها "